البحر أكل الشيخ منصور
كيف تريدني ان اروي قصتي؟ من البداية؟ منذ ولادتي مثلاً؟
إسمي مانجة. كان ابي يحب ندائنا بأسماء الفاكهة مثل تفاحة، برتقالة، رمانة.
تبدأ قصتي من منطقة في مدينة رشيد تدعي الشيخ منصور. روت لي حماتي ان ايام حرب احمد عرابي في مصر، كان يهرب الناس إلي هنا ويخبروا الشيخ منصور بأماكن صيدهم، سواء في الأسكندرية او ابو قير. وعندما يصلوا هناك يجدوه، بدون مركب. لا أحد يعرف كيف كان يصل هناك بهذه السرعة. ولهذا سميت هذه المنطقة تيمناً به.
عندما مات الشيخ منصور، قمنا بدفنه في ملتقى البحرين. بين النيل والمتوسط. وبنينا له مسجداً.
وكان بجنب مسجده عزبة وبيوت من دورين وثلاثة ادوار. وكان هناك ظباط بحرية وجمعية تعاونية ومساكن بيضاء اللون وعساكر ونساؤهم.
وكان هناك منزل الحاج عطية والذي استخدمناه للعطلة الصيفية في الاسكندرية.
وذهبت لهذا البيت يوماً ما، قبل ان يأكل البحر هذه المنطقة.
وربط الناس اشيائهم داخل بيوتهم واستيقظوا في اليوم التالي ليجدوا كل شئ تحت الماء.
لم يحدث ذلك تدريجياً بل في اليوم التالي!
وجدوا متعلقاتهم عائمة فوق المياه داخل بيوتهم. بعدها، بدأ الناس في الشكوى لحاكم المدينة.. لايمكنني تذكر إسمه.. وفيق غزلان تقريباً؟
ذهبوا له طلباً لبيوت جديدة للعيش بها بدلاً من بيوتهم التي ابتلعها البحر. لكنه لم يوافق!
كانت إجابته: “ها هي الأرض، إبنوا عليها بأنفسكم”- “مفيش مباني”
وكان سيعطيهم ارض الحاج عيد ولكن الحاج لم يوافق. ولم يملك احداً منهم المال ليقوم بالبناء بنفسه.
وتهجرنا كلنا. بعضنا ذهب الي الماكس، وبعضنا الى الوديان، وبعضنا لوادي القمر. ولكني رجعت إلى رشيد.
رجعت الى المكان الذي طالما عشنا فيه، وسألت محمد “اين بيتنا؟”
“هناك” مشيراً الي وسط البحر.
عندما جائت الشركة الصينية لتبني السد، اخبرونا انه لولا السد لأكل البحر الأسكندرية وبقية رشيد. ولكن لماذا بنوا هذا السد؟ ليس حفاظاً على حياة الناس، لا مانع لديهم ان نموت نحن. يريدون فقط بناء قرية سياحية ومدينة سكنية على ارضي. فإننا مهددين إما من البحر او من القرية السياحية.
إحنا قاعدين على كف الرحمن!
أتذكر الكثير عن بلدي القديمة. كان هناك مدرسة بها فصول اولى وثانية، وفصول ثالثة ينضموا لنا.
كان هناك خيول نسميها الهجانة، يمشوا على شاطئ البحر ذهاباً وإياباً. كنا نخاف عند رؤيتها ونجري.
أفتقد المصيف.
كل الناس هاجرت من الشيخ منصور وتبقى فقط ثلاث او اربع بيوت وعائلة. كلهم هاجروا الى الماكس واستقروا هناك.
جلبنا عم إسماعيل الى هنا.
ذهب كل شئ وتبقى مسجد الشيخ منصور!