الأمازيغ والعرب في المغرب الكبير : رهانات وتحديات

30Maghreb(s)
30Maghrebs
Published in
3 min readFeb 20, 2018

تنفلت الحروف أحيانا ونحن نكتب عن آلام وأوجاع أوطاننا؛ لكن تبقى مواجهة أخطائنا في حق مواطنيها ضرورة لنمضي قدما.

لا يمكن عزل موضوع الأمازيغ في منأى عن المواضيع المحورية في المغرب الكبير, خصوصا بعدما شهدت الساحة المغاربية عودة قوية لصرخة الهوية الأمازيغية أمام قرون من السيادة العربية والسياسة الكولونيالية. ومع أن تعايش الأمازيغ كسكان أصليين برحابة صدر مع الوافدين من الثقافات الزنجية واليهودية والفينيقية والرومانية ثم العربية والأوروبية حديثا قد توج بامتزاج للدماء والثقافات والرؤى, إلا أنه لا يمكن أن ننفي قوة الإثنية الأمازيغية التي حافظت على هويتها الأصلية ورفضت الانصهار الكلي، لتبرز اليوم كهوية تدافع بشراسة عن لغتها الأمازيغية وتقف في وجه أشكال الهيمنة التي تسعى لاضطهادها وهضم حقوقها.

ترى كيف يمكننا أن ندعي أن بلداننا تنتهج مسارا ديمقراطيا دون أن يكون تنوع واحترام انتماء المواطنين الهوياتي أهم أولوياتها؟

“ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم” وبتعبير صريح أفاد النص القرآني أننا مختلفون وأن اختلافنا آية في خلقه المتنوع؛ ومنه قد يفهم اي متمعن أن لكل لغة مكانتها في قلوب شعوبها ولا فضل الله تعالى لسانا على آخر. فلم همشت لغة وثقافة هذا الشعب؟

تاريخ الأمازيغ في فتح الأندلس ونشر الإسلام جلي في التاريخ حيث أن تداول الأمازيغية يومها والافتخار بها لم يؤثر على انتشار الدين في شمال افريقيا في شيء وإنما كان الأمازيغ أكثر من آمن وضحى لنصرة دين أتى العرب به آنذاك محبة له واعتقادا به..وإن تناسى البعض لا يمكن للتاريخ أن ينسى بصمة الأمازيغ في مجلدات انتصاراته نذكر على سبيل المثال لا الحصر طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وعبد الكريم الخطابي الذي كان له الفضل الكثير في تحرير المغرب من قبضة الاستعمار الأوروبي.

أحبوا في الإسلام احترامه للآخر بمكوناته الثقافية ولهذا اتخذوه دينا ظل قائما لدى الأغلبية الأمازيغية لليوم.

تشبثنا بلغتنا الأمازيغية الأصيلة بموازاة مع اللغات الأخرى التي نتداولها هو صورة للتنوع الثقافي في بلدان شمال أفريقيا. حيث أن التنوع ما هو إلا منبع رئيسي لتقوية الإبداع الذي هو أساسي لتطور مجتمعنا و البعد الإنساني في حياتنا اليومية الذي ينبني على أخلاق التسامح واحترام الآخر بتاريخه وهويته وانتمائه ،مغربنا الكبير تجمعه أمازيغية وتاريخ وثقافة تمحي كل عداوة تروج لها السياسة فإحياء لغاتنا الأصلية ما هو إلا مصالحة مع التاريخ ومواجهته بكل تجلياته وأخطائه ربما،والأهم من ذلك وقاية من كل الصراعات المحتملة، مع كل ما تهديه لنا الثقافة الامازيغية من تقارب بين بلداننا ، هل من الحكمة أن نسمح بضياعها؟ وكما نعلم جميعا أن سر تقدم الشعوب هو فهمها لتاريخها بكل جوانبه ودمجه بالحاضر مكونا مستقبلا مرتكزا على أن اختلاف الألسن والأعراق رحمة .

رد الاعتبار للأمازيغية يكمن في تطويرها ومضاعفة الأبحاث المختصة فيها وكذلك بتشجيع استعمالها وتحفيز المسؤولين على خلق سياسات تهدف للحفاظ عليها مما يرسخ الثقافة الغنية لمغربنا الكبير.

إن الإساءة والتهميش واتهام الأمازيغ بالإنفصال والعنصرية وقمع أصواتهم بكل الطرق في أنحاء شمال إفريقيا أشبه باقتلاع جذور شجرة تثمر أنواعا مختلفة ، سياسة التخويف عقيمة في عالم أساسه التواصل، إن حرمان المجتمع من ممارسة ثقافته والتعبير عن هويته وتجريم هذه الطبيعة الإنسانية بقرارات ووسائل تفتقر للعقلانية ومبادئ الحرية قد ينبع منه ما لا يحمد عقباه من احتقان اجتماعي بين الأمازيغ والعرب وبين الشعب والحكام مما قد يؤدي لحروب أهلية وثورات متكررة وتقسيم وقتل عرقي..وكذلك قد تؤجج الأوضاع السياسية وتزيد التدخلات الأجنبية مما يهدد مصلحة أجيالنا في العقود القادمة. لم لا نسمح بأن يعيش المواطن بكرامة ويعيش معه الوطن ، ألم نتعلم دروس التاريخ بعد ؟

الضياع الذي حل بهوية شباب شمال أفريقيا زيادة على ذلك انتشار مفهوم الغضب وما يسمى بالحكرة زاد نسبة ركوبهم قوارب الهجرة السرية وانتسابهم لمنظمات مشبوهة تذهب بعقولهم وأحلامهم لأنفاق مظلمة.لكن الحفاظ على موروث اللغة والثقافة الأمازيغية سيضيف غنى منقطع النظير حيث أن هذه اللغة توحد تاريخ بلدان شمال أفريقيا جميعا وتجعلها يدا واحدة ؛ تقربها أكثر من هوياتها وأصولها وأمجاد تاريخها؛ فعندما تحترم السياسات ثقافة البلد الاصلية وتحترم معها كل انواع الثقافات واللغات الاخرى، يعي الشاب انتمائه ويحترم تنوع بلده لغويا وفكريا ودينيا فيصبح متسامحا و منفتحا ليربي بدوره جيلا متزنا.

تضرب الهوية الأمازيغية بجذورها في أفريقيا؛ فيكفي أن ينطق التاريخ والأبحاث العلمية لتعلم أن أغلب جينات شمال أفريقيا أمازيغية؛ هم ليسوا أقلية كما صار يروج بل أغلبية وإن عُرِّبَ جزء منهم بالإحتكاك المستمر بالثقافة العربية إلا أن الهوية الأمازيغية تستحق الإحترام وأن يسمع لصوتها وتحضى باهتمامنا جميعا مواطنين ومسؤولين سواء كنا عربا أو أمازيغ ؛ مسلمين أو لا ؛ ولا ننسى أن دورنا جميعا نشر وإنتاج معرفة تغلب عليها فلسفة الحرية والمشترك فالدين لله والهويات تتعدد ويبقى الوطن للجميع.

للمغرب الكبير مستقبل واعد رهين بطاقات جديدة تجمع بين التشبث بالتنوع اللغوي والثقافي الذي خلفه الماضي وبين نظرة شابة غير خاضعة تطمح للتغيير وتشارك في القرارات التي تخص بلدانها ,أرى مغربا يحترم تاريخه و يعترف بكل مكوناته؛ مغربا كبيرا يوحدنا ويقربنا جميعا.

صفاء قجوان

--

--

30Maghreb(s)
30Maghrebs

30 Maghreb(s) is a youth-led platform giving a voice to young people in the Maghreb who would talk about their future.