عمران يشرق على مغرب

30Maghreb(s)
30Maghrebs
Published in
3 min readMar 7, 2018

اختصت شريعة الإسلام على غيرها من ديانات العصر؛ بعنايتها بتصحيح علاقة الإنسان بالله، وتوثيق علاقته ببيئته. والبحث في تفعيل تواصل الإنسان فيما يحيط به مؤسس على مبدأ الاستخلاف المذكور في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاََرْضِ خَلِيفَةً) [سورةالبقرة/الآية:29].لا يكمل تحقيق هذا الطلب، إلا باستكمال علاقة الإنسان بربه، وعلاقته بمحيطه:فالأولى: القيام بحق الله تعالى بما شرعه من عبادات، والوقوف على ما ربطت به من أسرار وحكم، تعود على الأنفس بالراحة، والسلوك بالتهذيب.فحلول المشاكل الاجتماعية والسياسية التي يعاني منها مجتمع المغرب الكبير؛ لا أنجع لها من العلاج الروحاني الذي يبعث في النفس سلطة تأمره بالخير، وتنهاه عن الشر.ولك أن تتصور مواطنا كامل العلاقة بربه؛ كيف له أن يغش، أو يعبث بالمال العام، أو يظلم، ويعتدي على الأنفس المعصومة.أعرف أن بلوغ هذا المستوى من الرقي الأخلاقي صعب المنال، بيد أنه ليس من ضروب المحال. فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي غرس في قلوب أصحابه مراقبة الله في الأعمال كحديثه في الإحسان مع جبريل: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [رواه مسلم]؛ هو الذي أسس للمجتمع الراقي المثالي، الذي تحكمه الأخلاق قبل المصالح.وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه باعث دولة المؤسسات الحاكمة للشرق والغرب؛ يقول بصدق أخلاقه (لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن اللّه عز وجل سائلي عنها يوم القيامة). وكانت سلطة الأخلاق على النفوس حاكمة على بنت منعها خلط ماء باللبن في جوف ليل لا يراها فيه إلا الله.أما الثانية: فسعادة الإنسان الدنيوية لا تتحقق إلا بحسن التفاعل مع محطيه، وهي مرتبتان:• علاقة الإنسان بالإنسان: لا يصفو التعايش إلا بالالتزام بالحقوق والواجبات، في ظل صيانة: الدين، النفس،العقل، النسل، والمال. في إطار يكفل ديمومة العلاقة؛ متمثلا في نظم الحكم والقضاء. وما نعيشه اليوم من انتهاك للحقوق؛ يعود حتما لإغفال تلك النظم، أو تساهل في تطبيقها.• علاقة الإنسان ببيئته: الأرض مسخرة بكل ما حوت لسعادة الإنسان، وهي مهد الاستخلاف، فتحقيق قصد الشارع بإصلاح حياة البشر، يفتقر حتما لإصلاح الأرض وعمارتها، باستحداث وسائل العمران والحضارة، وما تقتضيه من آليات.وإذا كان الشرع حدد العلاقة الأولى، فقد كفل رسم هذا النوع للإنسان من حيث استكشاف المصالح وتجسيدها. فيكون لازما على عموم الأمة تسخير عقول للكشف عن المصالح في مختلف المجالات، وواجب عليهم السعي في تحقيقها.نرى دينا أسس قواعد العمران والحضارة؛ دعا إلى العناية بالبيئة، وإحياء الأرض (إِنْ قامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيامَةُ، وفِي يدهِ فسيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا). نراه معتنيا بحق الحيوان (في كل كبد رطبة أجر)، نراه حاثا على إتقان العمل، ينقل أهله من الخمول إلى الإنتاج (لَأَن يَأْخُذ أَحَدُكُمْ أحبله ثم يأتي الجبل فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ من حَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ, فَيَبِيعَهَا, فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَه, خَيْرٌ لَه مِن أَن يَسأل النَّاسَ, أَعْطوْه أَوْ مَنَعُوه). دينا يندب إلى التداوي وتعلم الطب وتعميق البحوث فيه، جاء في الحديث (أن رجلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم جرح، فاحتقن الدم، وإن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيكما أطب؟ “، فقال: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال: “أنزل الدواء الذي أنزل الداء).

فالإسلام يأمر باستحداث وسائل القوة؛ العلمية والعملية، التي تكفل للمسلم عزة بين الأمم قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].المشاكل التي يعيشها المغرب الكبير اليوم نتيجة غياب الوازع الديني، وضعف السلطة القضائية الكفيلة بحفظ النظام عند غياب سلطة الدين، فباعث الشر في النفوس شديد، وسلطة التشريع لا تنفذ أحكامها على كل مستحق، ما أحدث شرخا يصعب تداركه، ولا أعلم إن كان بوسع كل مواطن قراءة هذه الورقة لتصحيح المسار!أرى أن العمل مشترك بين أطياف يحملون نفس الهم، ويتشوفون لغد أشرق، أساسه إصلاح التعليم بجميع مستوياته، وترسيخ منظومة قضائية تحفظ الحقوق.

لابد أن يرتكز التعليم على تفعيل مواد الهوية المغربية؛ دينيا، تاريخيا، وثقافيا. والبحث في وسائل استثمار التعلمات في الحياة.

عن الطالب الجزائري أتحدث، يتخرج بعد سنوات دراسة للغة العربية وهو لا يحسن إعراب جملة، ولا يحفظ من مجد أجداده العظيم إلا تاريخين!، نلحظ تلك الهوة الكبيرة بين ما يتلقاه من تعاليم الإسلام السمحة، وما يبدر عنه من سلوكات.

كل هذه المعطيات تحتم مراجعة مناهج التدريس التقليدية، واستحداث أنماط عملية توصل إلى الأهداف بأبسط طريق؛ كالتعليم بالكفاءة، والتعليم التطبيقي.

أما إصلاح النظام القضائي؛ فعمدته حفظ الحريات الشخصية والجماعية، وتحقيق العدل؛ تشريعا وتنفيذا، أتشوف قضاء عادلا؛ يسترشد بالنظم الإسلامية السمحة، يسوي بين أفراد المجتمع، ينْفذ سلطته في إيصال الحقوق، ولا يتوانى في ردع كل من يهدد سلامة الأمة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

--

--

30Maghreb(s)
30Maghrebs

30 Maghreb(s) is a youth-led platform giving a voice to young people in the Maghreb who would talk about their future.