لماذا غيّرت رأيي حول كتب “العلوم الشعبية”: لمحة سريعة حول كتاب “نقطة تحول” لكاتبه مالكولم جلادويل

Youghourta Benali
4 min readDec 22, 2018

--

لماذا غيّرت رأيي حول كتب “العلوم الشعبية”: لمحة سريعة حول كتاب “نقطة تحول” لكاتبه مالكولم جلادويل

كتاب “نقطة التّحوّل”* هو الكتاب الذي حقّق لكاتبه مالكولم جلادويل** النصيب الأوفر من الشعبية التي يحظى بها الآن وهو أول كتاب ينشره ويعتمد (كعادة جلادويل) بشكل أساسي على مقالات سبق وأن نشرها في جرائد عالمية والتي عادة ما تحاول قصّ قصّة مُعيّنة وبناء فكرة ومُحاولة إقناع القارئ بصحّتها إما عبر أمثلة عديدة أو دراسات علمية أو كلاهما.

الفكرة التي يدور حولها الكتاب هي: أي تغيير أو انتشار فكرة/ظاهرة/وباء/… يعتمد بشكل أساسي على 3 مبادئ أساسية:

1/ مبدأ “قانون القلة” والذي ينصّ على أن أي ظاهرة/تغيير يعتمد بشكل أساسي على مجموعة صغيرة من البشر يكونون حجر الزاوية. بشكل ما هو مبدأ باريتو الذي ينص على أن 20 بالمئة من الأسباب ينتج هنا 80 بالمئة من النتائج. يقسّم جلادويل هذه الفئة إلى 3 أقسام:

- الموصلون وهي تلك الفئة التي تعرف شرائح واسعة من المُجتمع وتستطيع ربط أشخاص مُختلفين من فئات مُختلفة بشكل فعّال. هذه الفئة من الأشخاص لديهم شبكات اجتماعية (على أرض الواقع وليس على الإنترنت) واسعة.

- المُخضرمون / المُختصون: هم أشخاص لديهم اطلاع واسع ومعارف مُتنوّعة ولديه قابلية إيجاد حلول لمشاكل عديدة.

- المقنعون (الباعة؟) : وهو أشخاص لديهم القابلية لإقناع ونشر الأفكار بشكل فعّال.

2/ عامل الالتصاق: ويتعلّق الأمر بمدى سهولة التصاق الفكرة في الأذهان. هل سبق وأن التصقت أغنية أو شعار منتوج في ذهنك لفترة طويلة؟ هذا بالضبط ما يقصده الكاتب.

3/ قوّة السّياق : هل سبق لك أن سمعت مقولة “الإنسان ابن بيئته”؟ أو أن بيئة الإنسان هي التي تؤثر على أفعاله؟ يمكن القول بأن هذا بشكل أو بآخر ما يقصده الكاتب بمبدأ “قوّة السياق” حيث أن فكرة ما قد تنجح أو تنتشر في بيئة ما لأنها تتوفّر على المقومات التي تسمح لها بذلك (ارتفاع مستويي الجريمة والبطالة في الأحياء الفقيرة على سبيل المثال).

هذا الكتاب هو أول كتاب أقتنيه لمالكولم جلادويل (أملك نسخة ورقية من الكتاب منذ 6 سنوات تقريبًا) لكنه آخر كتاب أقرأه له بعد أن قرأت باقي كتبه، وصراحة تمنّيت أنني لم أقرأه أخيرًا، لأنه وبالرّغم من أنه الكتاب الذي أعطى صاحبه كل الشهرة التي يتمتّع بها، إلا أن محتواه هو الأضعف مقارنة بباقي كُتبه (وهذا أمر طبيعي؟)، كما أنه سمح لي بملاحظة مدى تأثّر العديد من الكُتّاب بأسلوب جلادويل ومُحاولات تقليده التي لا تُعطي دائمًا نتيجة طيّبة. بعبارة أخرى يُمكن القول بأن هذا الكتاب هو أحد الكُتب التي ستجعلني أعيد النظر في جدوى قراءة أي كتاب يقع تحت مُسمى “العلوم الشعبية” *** أو التي يكتبها أي صحفي / قاص ويُحاول إثبات نظرية/ فكرة ما خاصة إذا كانت ذات طابع علمي، أو تلك الكتب التي يمكن تلخيص فكرتها في مقال واحد بدل كتاب كامل.

لأعطي مثالًا لتوضيح سبب تغير نظرتي لمثل هذه الكتب، إليك هذا المثال الذي وردت في هذا الكتاب:

يعزو جلادويل تراجع مستويات الجريمة في نيويورك في تسعينيات القرن الماضي بشكل أساسي إلى جهود الشرطة التي اعتمد مبدأ “تصليح النوافذ المكسورة”. مبدأ “النافذة المكسورة” ينص على أنه يكفي أن تتكسّر نافذة في مبنى مُعيّن وتبقى مكسورة لبعض الوقت حتى تسوء حالة باقي المبنى بشكل سريع. بعبارة أخرى النافذة المكسورة الأولى تعطي الانطباع بأن المبنى مُهمل وتوفّر بيئة تسمح بتفشي ظاهرة تخريب باقي المبنى (مبدأ “قوّة السياق” آنفة الذكر). يشير الكاتب إلى أن شرطة نيويورك كانت تعمل مثلا على تنظيف عربات شبكة القطارات وتتخلص من جميع رسوم الجرافيتي التي يرسمها الجانحون عن القانون على عربات القطارات كل ليلة. هذا الأمر بعث برسالة مفادها أن هناك قانونًا يُحترم ونظامًا يُتّبع في شبكة قطارات المدينة وهو ما وفّر بيئة لا تسمح بانتشار الجريمة. فكرة جميلة وجذّابة.

لكن في المقابل يشير ستيفن ليفيت أحد مؤلّفي سلسلة كُتب فريكونوميكس (والبودكاست الذي يحمل نفس الاسم) أن الأمر لا علاقة له بذلك إطلاقًا وإنما يُرجعه إلى نقطة أخرى، وهي تقنين الإجهاض في سبعينيات القرن الماضي، مما سمح -حسب الكاتب- بتخفيض أعداد “الأطفال غير المرغوب فيهم” من طرف أمهاتهم (عادة ما يكون نتيجة الحمل خارج إطار الزواج وفي سن مُبكّر جدًا) وبالتالي خفض أعداد الأطفال المؤهلين ولوج عالم الجريمة لما يصبحون مُراهقين/شبابًا، وقد دعّم ليفيت نظريته هذه بالعديد من الدلائل والإحصائيات التي تُثبت صحّتها. في حين أن هناك رأي آخر الله أعلم بمدى دقّته والذي اقترن باسم الكاتب ستيفن بينكر والذي يقول بأن يُمكن أن يكون إزالة الرصاص من البنزين أحد العوامل الرئيسية في تراجع نسب الجريمة آنفة الذكر.

بعبارة أخرى، لست أدري إن كنت سآخذ أية نتائج ذات طابع علمي يكتبها صحفيون (وليس مختصّين في مجالاتهم) محمل الجد، ولست أدري إن كنت سأرغب في قراءة كُتب مُماثلة في المُستقبل.

هل أنصح بقراءة الكتاب؟ صراحة لست أدري. إن سبق وأن قرأت أيّا من كُتب جلادويل من قبل فقد لا ترغب في “إفساد” أي لذّة وجدتها في تلك الكتب بما قد تقرأ في هذا الكتاب. إن كنت مهتمًا أكثر بالأسلوب القصصي الذي يتّبعه الكاتب فستجد ضالتك في هذا الكتاب. إن لم يسبق لك قراءة أي كتاب لجلادويل وترغب في التّعرف على أسلوبه فأنصحك حينها بقراءة كتاب “الخارقون”****. ستجد مُراجعتي له هنا: http://www.it-scoop.com/2016/12/outliers/

— -

* نقطة التّحوّل: The Tipping Point

** مالكولم جلادويل: Malcolm Gladwell

*** “العلوم الشعبية” : Popular Science

**** الخارقون : Outliers

--

--