AZERTY و QWERTY

Sana Elwaar
6 min readSep 30, 2023

--

يقول زميلي البرازيلي:” التغيير الثقافي الوحيد الذي يقلقني هو تغيير لوحة المفاتيح من إلى الازرتي الي الكورتي، كل شيء خلاف ذلك يهون”

كان يكررها و كنا نضحك في كل مرة. و لكن الأمر لم يكن مضحكا دائما.

Photo by Clay Banks on Unsplash

و أذكر تماما أول مرة لم تضحكني هذه العبارة بالمرة. كنت في المختبر انتظر إجابات باقي فريق العمل قبل إرسال النسخة النهائية للتقرير، كان الوقت يمر و لا مجيب. و اذا بي افتحه للمرة الألف لأتفطن أن الصفحة الأولى مازالت فارغة. في البدء ضننتها نكتة ركيكة من أحدهم. عدت إلى التغييرات. لم تكتب هذه الصفحة أبدا هنا، أو على الأقل لم تسجل. و اذا بصديقي البرازيلي يدخل المختبر يحاول اخفاء ارتباكه. أشار إلى الساعة و أشرت إلى الصفحة الناقصة. المصيبة مضاعفة: تبقت لدينا نصف ساعة، وقت التسليم اليوم و لكن ليس منتصف الليل بل منتصف النهار. بقي من الوقت نصف ساعة، وأول صفحة في ملخص المشروع الذي يتوج تعب ستة أشهر فارغة.

.لم يكن لديه حاسوبه، و كانت الصفحة مسؤوليته. ناولته حاسوبي، بدأ يرقن على اللوحة الازرتي.

كان يرقن و يردد ما يكتب بصوت مكتوم بالانجليزية، و يلعن الازرتي بصوت واضح بالبرتغالية. القائمة طويلة، كان يلعن الحظ الذي جعله ينسى كتابة الصفحة الأولى، و ينسى التأكد من توقيت التسليم، و ينسى حاسوبه و يستعمل حاسوبي. و كنت نظرًا لحساسية الموقف، قد امتنعت عن التعبير عن اية ردة فعل. و شغلت نفسي أحاول ان أتذكر أي تفصيل قد يغيب عنا، و يحول دون أن ننال العلامة المشرفة التي نستحقها، ألسنا نحن من عمل لستة أشهر كاملة في آخر الأرض.

Photo by Kelsey Knight on Unsplash

تفطنت أنها آخر الأرض بالنسبة لي وحدي هنا، و أنها أول الأرض أو أول الأوطان بالنسبة إلى صديقي البرازيلي، أين هو وكل فرد من افراد عائلته عاش و يعيش، و إن آخر الأرض بالنسبة إليه يكمن تحديدا في لوحة مفاتيحي الازرتي. تذكرت أن تأقلمي مع هذه الثقافة لا يحسب لي و أن عدمه يحسب علي. و أن تأقلمي مع هذا الفريق و انهاء هذه المهمة لا يحسب لي و عدمها يحسب علي. يقال المصيبة إذا عمت خفت، هراء! لن تخف المصيبة إن أخذنا تقييما سيئا ولن انتقم من أحد و أغرق نفسي معه. هي مشكلتي الآن. و اليوم أمر، و غدا…غدا سأنتقم منهم إن لم أجد ما أصنع ربما.

تبقى من الوقت خمس و عشرين دقيقة، وصل صديقي إلى أكثر من العشرين لعنة للوحة المفاتيح خاصتي، أربعة لعنات كل دقيقة، لعنة كل خمسة عشر ثانية، محترم كمعدل لو كتب عند كل لعنة كلمة سينهي الصفحة و سنرسل التقرير قبل فوات الأوان.

رن هاتفه فلم يكتف بعدم الرد، بل قام باطفاء الهاتف تماما، و نزع البطارية و رمى بها بعيدا. مستقبل مهندس الكهرباء البراقماتي، انتقم من البطارية و عاقبها. كل هذا ليتأكد ان الكهرباء سينقطع، و أنه لن يتصل به مخلوق ويضيع بضع ثوانٍ في العشرين دقيقة القادمة.

تخيلت لبرهة أن يرن شيء ما في حاسوبي و يُفْعَلُ به مافُعِلَ بالهاتف. و احسست بخيبة و تسلل اليأس الي. أحسست بأن نسختي الحالية غير قادرة على التصرف و سأعود بخفي حنين و بحاسوب خردة. طلبت من نسختي المستقبلية قرض شجاعة. نسختي المستقبلية المحنكة بعد أن تتعلم إدارة الأزمات. ثم ماحاجتي مثلا بشجاعة يوم واحد في المستقبل. يوم تافه. مثلا يوم أكون فيه عند جدتي و هي تقسم عليّ أن أكمل صحن الفاصوليا، لا أحتاج شجاعتي حينها، سأكمل صحن الفاصوليا. أنا احتاج شجاعتي الآن أريدها الآن…

تنفست بعمق، و قطعت حبل أفكاره، وطلبت منه أن يملي هو و أتولى أنا الرقن. أنا سأرقن نعم أنا سلحفاة الرقن شخصيا. فما أكملت جملتي حتى وجدت الحاسوب أمامي و صديقي قد تحول الى ايمينام -بانقليزية بلكنة برتغالية برازيلية-. يملي بسرعة لا أستطيع معها التذكر فما بالك الرقن. كنت من ارتباكي بدأت أحسن بخلطة من التوتر و الغضب و نقص في الشجاعة و كأن كل شيءٍ قد خذلني يومها، و ها أنا أتبعهم وأخذلني.

Photo by Elisa Ventur on Unsplash

تمالكت نفسي و تنفست بعمق و بكل ما أوتيت من ماء للوجه: “ماذا كانت الكلمة الثالثة؟ الطائرة أم غرفة القيادة؟” قلتها بثقة و حزم لم أعهدهما كثيرا في عمري ذاك. أسأله عن الكلمة الثالثة حين تجاوز هو للفقرة الثانية. كان ذلك كافيا ليمر وجهه بكل مراحل التغيير في خمس ثوان: النكران، الحزن، المساومة، التقبل. كلف الأمر أقل من لعنة واحدة للوحة مفاتيحي. ليجلس جانبي. أناوله ورقة و أبدأ في التخطيط لمخص التقرير في أربعة فقرات رئيسية، كل فقرة لهدف معين. تناول قلمه و صار يكتب الكلمات المفاتيح المهمة لكل فقرة. طلبت أن يترك لي الحرية لتحرير ما يخص الجزء الذي قمت به، في حين كتب هو الباقي على ورقة أخرى و بخط واضح. وعدت إلى لوحتي الازرتي “العزيزة” و شرعت أرقن مرة عن ورقته و مرة ما يمليه عليا ذهني…

خمس دقائق مازلت عن الموعد، انتهينا من تحري الاخطاء. بسملت و ضغطت على إرسال انتظرت الرسالة الإلكترونية التي تؤكد ذلك. أرسلنا رسالة تطمين مخلوط بلوم لباقي الفريق الذين نسوا ساعة التسليم. و غادرنا المختبر والجامعة.

بعيد نصف ساعة أو أكثر أفاق باقي الفريق على وقع ان آخر أجل للتسليم كان صباحا و ليس مساء. و تتالت الرسائل تشكرنا على تمكننا من إكمال التقرير و إرساله.

أجاب صديقي أننا استطعنا ذلك في وقت قياسي رغم لوحة مفاتيحي الازرتي. فأعاد الجميع الجملة “أكثر تغيير ثقافي مقلق هي لوحة الازرتي بدلا عن الكورتي” ضحكنا. أضاف زميلي “و رغم أننا نتحدث لغات مختلفة و نعبر عن أفكارنا بطرق مختلفة”. استغربت ما قال حيث أن التقرير بالانجليزية و كنا كلنا نتحدث بمستوى محترم. اسرتها في نفسي، لثلاث ثوان كاملة، قبل أن اسأله في الخاص.

سألته ان كان يقصد شيئا معينا. أجاب أن أسلوبي القيادي في النهاية كان من المفروض أن يكون منذ البداية، لوحة المفاتيح خاصتي أنا الذي يجب أن أتحمل مسؤولية القيادة و “أقترح” رأيي بقوة. يا سلام؟
يعني كنت سلبية أكثر من اللازم عندما نسيت موعد التسليم، آه عفوا ذلك كان الآخرون. لعلني كنت متقاعسة عندما نسيت كتابة صفحة التلخيص، عفوا ذلك كان ليكون هو. القيادة لمن يملك لوحة مفاتيح، أهذا آخر ما وُصِل إليه في ريادة الأعمال و القيادة. و لأول مرة منذ بداية المشروع صمتت لحاجة في نفس يعقوب، لثلاث ثوان كاملة. سألته: لماذا لم تطلب مني الكتابة؟ أجاب انه كان متوترا يكتب “ألفًا” ليجد “كافًا” لم يكن لديه القدرة للحكم على الوضع عن بعد. أنا كنت قادرة على تقييم الوضع ببراغماتية أكثر. تذكرت عقابه للبطارية و أيقنت أن معه حق، كنت مؤهلة لأكون أكثر براغماتية أضعت دقائق ثمينة وأنا أساوم في قرض شجاعة من المستقبل وأقايضها بصحن فاصوليا . لابأس، المفروض أن نتعلم في هذه التجربة في آخر الأرض سواء كان ذلك جغرافيا في الأرض أو في لوحة المفاتيح أو في أساليب القيادة. و أني صدقا لا أعلم متى يجب أن أمسك زمام الأمور إن لم يكن لدي المشروعية بطريقة واضحة، وكان يجب أن اتعلم ذلك.

كانت الساعة الثانية مساءً، أي مازال على المغرب الكثير. و لو لم أكن صائمة لاستعنت بقهوة تساعد على فهم ما حصل للتو .

كنت مع الصديقين العزيزين، الذين نسيا موعد التسليم هذا الصباح، قد اتفقنا على أن نحضر أكلة لنأخذها و نفطر عند عائلة مغربية جانب الجامع و نصلي التراويح معهم. ثمرة لقاء تلقائي مع الأب و زوجته عند الجزار، لقاء عادي حوله صديقي المغربي الى استدعاء على فطور عندهم، ببداهته غير المفاجئة و قدرته الخارقة على إنشاء صداقات. ذهبت لأشتري ورق الملسوقة اذ كنت وعدتهم أن أطبخ بريكا تونسيا بالهريسة. و بما أني كنت أحس بشجاعة غير مسبوقة، كنت أصف الملسوقة ببرتغالية مثيرة للشفقة أو للضحك التي انهكت احترافية البائعة و أجبرتها على الابتسام. ولكني مصرة: الملسةقة ورقة رقيقة لعمل أكلة مثل البسبوسة و لكن طرية، أرق من المسمن المغربي، رطبة أكثر من ورق الارز، قطعا أرق من خبز الترتيا… لا فائدة، لا يوجد ملسوقة، في كامل ساو باولو. يبدو أن عليّ عملها وحدي. و هذا ما لم أتعلمه مطلقا في أول الأرض لأعمله في آخر الأرض.

اتصلت بأصدقائي لإعلان استسلامي و لنفكر في وصفة أخرى، و لكني وجدت نفسي أدعوهم للقدوم لعمل الملسوقة و احضار فرشاة مرطبات. سألت البائعة ان كان لديها مقلاة بريك، اجابت: “ تقصدين مقلاة كريب، كريب فرنسي؟” اجبتها نعم و أسررت في نفسي أن البريك عندما تكتب بلوحة المفاتيح الازرتي تكتب كريب. و تبسمت.

Photo by Jason King on Unsplash

وصلت لأجد ثلة من الصائمين المتعبين أمام باب المطبخ المشترك. مسلحين بمقلاة زيت و فرشات سيلكون ملونة و دقيق فاخر.

يتبع.

--

--

Sana Elwaar

I like to write about life long learning, Calligraphy, Data Science, and life in general. My linkedin profile:https://www.linkedin.com/in/sana-elwaar/