سفر الخروج

Soud Hefawi
5 min readNov 20, 2017

--

For English, Click Here…

مقاومة جماعية … بيت لحم، عين حنية، الولجة، مصدر و موقع مائي طبيعي لاهل القرية، مهدد تحت اجراءات بالمصادرة من قبل الاحتلال الصهيوني

في عام 1917 سارع وزير خارجية بريطانيا، آرثر بلفور، بتأمين وطن قومي لليهود — الصهاينة — في فلسطين، و كأنه كان يريد ان يستبق الاحداث ليحمي اليهود من المحرقة التي كانت بانتظارهم في عام 1941، في أوروبا عموما و المانيا تحديدا، على يد النازيين، بما يعرف بوعد بلفور. ليعلن نفسه من لحظتها الها للصهيونية و مخلصا لهم من اضطهاد لم يكونوا قد عانوه بعد، و كأنه يعيد ترجمة سطور التوراة “ وأُعْطيكَ الأَرضَ الَّتي أَنتَ نازِلٌ فيها، لَكَ ولِنَسلِكَ مِن بَعدِكَ، كُلَّ أَرضِ كَنْعان، مِلْكًا مُؤَبَّدًا، وأَكونُ لَهم إِلهًا. سفر التكوين: الفصل: 17، “الآية” 8 “.

تلك المحرقة التي ما باتت أن انتهت في عام 1945 حتى كان معظم صهيونيِّ العالم قد أمسوا في فلسطين ساكنين، و متجهزين عسكريا و اقتصاديا، ليبدأوا بافتتاح معسكرات التركيز والتكثيف و غرف الحرق، و الإبادة الجماعية، و التهجير القسري، و نهب الأموال والمقدرات من الفلسطينيين. و كأنما حملوا هذه الإجراءات النازية في حقائبهم خلال سفرهم من أوروبا إلى فلسطين. مطبقين بذلك أمر اله صهيونيتهم المزعوم “ أوقَدَ المَشاعِلَ وأَرسَلَها في زَرْعِ الفَلِسطينِّيين، وأَحرَقَ الحُزَمَ والزَّرْعَ، حتَّى الكُرومَ والزَّيتون.” سِفرُ القُضَاة: الفصل:15 “الآية”:5".
ليكون عام 1947 بداية لأكبر و أوسع محرقة للتطهير العرقي، بحق الفلسطينيين، في التاريخ الحديث على أيدي الصهيونية. النكبة.

كتاب السارقين المقدس … الخليل، مستوطنين صهيونيين “ طفل و جنديين “ بعد احتلالهم لبيت في البلدة القديمة في الخليل و طرد أهله بالقوة، أحدهم يتلو صلواته من خلال توراته “ يمين “

لم يحصل ما حصل بناءا على مفارقات عشوائية، ولا تعاطفا بريطانيا مع الصهيوني المضطهد! ان العنصرية العرقية أو التحيز العرقي سمة من سمات الصهيونية التي لطالما أثرت بشكل أساسي سلبا على اليهود أنفسهم و ليس فقط على من يحيط بهم من مجتمعات، و هي كثيرا ما كانت سببا في اضطهادهم.

فقد كان اليهود الصهيونيين، و بشكل دائم، يرفضون كل فرصة للاندماج بالمجتمعات التي سكنوها، و ذلك لاقتناعهم أنهم شعب الله المختار، وأنهم عرق سامي و سائر بقية الناس هم في درجة أقل منهم. و لهذا فان كل ما كانت هناك فرصة لهم ليعيشوا حياة طبيعية في مجتمعاتهم، كانوا بشكل أو بآخر يطالبون بالبقاء ضحية اضطهاد، حتى لو كان شكليا.

و لم يكن القرن ال 19 الا صورة واقعية تشرح لنا هذا المبدأ الصهيوني، ففي بداية القرن ال 19 كانت أوروبا اكثر وعيا، و قد برز فيها “تيار ثقافي عصري يرفض الاضطهاد العنصري من الأساس. غسان كنفاني. في الأدب الصهيوني” وتزامن مع ذلك تحسن أوضاع اليهود عن ذي قبل و نمو طبقة من اليهود ذات تأثير في المجتمعات الأوروبية. كان أبرزهم الروائي والسياسي بنجامين دزرائيلي.

متعة بيبي … بيت لحم، جدار الفصل العنصري، بينجامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائيلي الصهيونية

ففي عام 1868 يعتلي بنجامين دزرائيلي كرسي رئاسة الوزراء في بريطانيا، و مرة ثانية في عام 1874، وهو يهودي بريطاني من بين ربع مليون آخرين، كانوا تعداد اليهود في بريطانيا عام 1900. و ذلك استكمالا لعدة مناصب أخرى في الحكومة البريطانية اعتلاها يهود بريطانيون قد سبقوه خلال سنوات القرن ال 19.

و بالرغم من ذلك، متجاهلا حاجة و مطالب الطبقة الوسطى و العاملة من يهود أوروبا الى الاندماج في مجتمعهم الأوروبي الأشمل، يكتب دزرائيلي في عام 1833 روايته “ ألوري “ و التي يطرح فيها بطله اليهودي طرحا عنصريا عنيفا، ذلك البطل اليهودي المتفوق المعصوم، ضمن تيار تعصب عنصري يضغط نحو الصهيونية السياسية. و التي هي “ في الحقيقة الوجه الآخر للعملة التلية الدامية التي ستظهر بعد قرن. كنفاني. في الأدب الصهيوني.”

“ في هذه الرواية يطرح دزرائيلي البطل اليهودي الصهيوني، قبل حوالي نصف قرن من ولادة الصهيونية في بال: يرفض الاندماج و كل فرصه. ولذلك يسقط فورا في الموقف العرقي المتطرف، الذي سيتبناه هتلر، مقلوبا، بعد 80 سنة. كنفاني. في الأدب الصهيوني.”

الموقف العرقي المتطرف ذاته الذي ستعود بريطانيا والصهيونية بتبنيه في العام 1917 و تفعيله في العام 1947، و انشاء هولوكوست أو هاشواه أو نكبة جديدة في فلسطين، وتطهير الفلسطينيين عرقيا. مبررين ذلك بأنه اعتذار بريطانيا عن اضطهاد اليهود، و أن هذا حق لليهود بعد ما اضطهدوا. وهنا يقول زيجمونت باومان “لو أن جورج أورويل محقاً في قوله بأن التحكم في الماضي يسمح بالتحكم في المستقبل ، فمن الواجب علينا ، من أجل المستقبل ، ألا نسمح لهؤلاء الذين يتحكمون في الحاضر باستغلال الماضي بطريقة ربما تحول المستقبل إلى مكان موحش لا يرحب بالبشرية. الحداثة و الهولوكوست” .

مصابيح الضباع … القدس، البلدة القديمة، جنديان اسرائيليان بعتاد كامل في طريق البلدة القديمة القديم المؤدي الى المسجد الاقصى و الصخرة و كنيسة القيامة

و الذي أراه، برأي، هنا مدعاة للسخرية و التناقض في ذات الوقت؛ أنه كيف لبريطانيا ،في عام 1917، أن تعتذر عن اضطهاد و إحراق اليهود في عام 1941–1945، أي قبل أن يتم احراقهم، بمنحهم وطن قومي في وطن هم مستعمرون فيه، و اعطائهم الحق بإعادة إحياء المحرقة في فلسطين، وتطهير أهلها عرقيا، بشكل مستمر حتى اليوم من عام 2017 ؟!

و في تساؤل آخر، و بعد 100 عام من هذه المنحة البريطانية للصهيونيين، كيف لنا أن نفهم اعتذار الملكة اليزابيث “ ER sorry “ و بانكسي، الذي ناب عنها ليقدم الاعتذار و لم يحضر، في حفل شاي بريطاني كلاسيكي يضم عمق من عانوا هذا الوعد البريطاني — دون تقديم اي تعويض لهم سوى العلم البريطاني و الخوذ البريطانية الملئى بثقوب الرصاص، و كعكة بريطانية — تحت ظل اكبر رموز العنصرية في العصر الحالي- الجدار العنصري -، متزامنا مع احتفال الحكومة البريطانية بالذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم. مرة أخرى، كيف لنا أن نفهم هذا ؟

ولادة فجر الظلام … القدس، البلدة القديمة،

يقول عبدالوهاب المسيري

“إن جذور العنف الصهيوني تعود بالدرجة الأولى إلى التراث العنصري الإمبريالي الغربي، الذي حوَّل العالم إلى مادة استعمالية وظفها لصالح الإنسان الغربي صاحب القوة، وهذا أمر متوقع من حضارة مادية نيتشوية ، لا تؤمن إلا بالحواس الخمس. والصهيونية لم تتحول إلى حقيقة إلا من خلال التشكيل الاستعماري الغربي، وهي تدور في إطاره، وتدرك العالم من خلال خريطته المعرفية وليس من خلال التوراة أو التلمود أو كتب القـبَّالاه أو البروتوكولات.البروتوكولات و اليهودية و الصهيونية”

و أتساءل هنا، بشكل مثير للسخرية، من بعد قول ادولف هتلر “ اطلق كذبة كبيرة، و قم بترديدها مرارا بشكل كافي، و سوف يتم تصديقها” الى أي مدى سيصلح استخدام هذه الكذبة ؟

--

--