يسقط الجدار … لا الفن

Soud Hefawi
4 min readOct 31, 2017

--

For English, Click Here…

فلسطين على كل جهات الجدار

يقول غسان كنفاني في دراسته في الأدب الصهيوني “ ربما كانت تجربة الأدب الصهيوني هي التجربة الأولى من نوعها في التاريخ حيث يستخدم الفن في جميع أشكاله ومستوياته للقيام بأكبر وأوسع عملية تضليل وتزوير تتأتى عنها نتائج في منتهى الخطورة” و يقول أيضا “ إن الرواية الصهيونية لا تضخم الحقائق وتنفخها بالمبالغة ولكنها تخترعها أيضا “ و يتحدث عن ذلك مطولا ليضيف “ في العمل الصهيوني تتعرض كل شعوب العالم للاحتقار بدرجة أو بأخرى فالبولنديون جبناء والألمان برابرة الخ “، ويؤكد أن الصهيونية الأدبية استولدت الصهيونية السياسية في تعبير عن أهمية الأدب و الفن في خلق ظروف، أحداث، وقائع، و حقائق قد تكون مختلفة عما حصل حقا، و ان تلعب دورا اساسيا في تحريك دفة أحداث ما في اتجاه معين.

جدار الفصل العنصري الذي أقامه و ما زال يقيمه الاحتلال الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية قد شكل منذ نشأته مكانا يعترض فيه الناس على اجراءات الاحتلال الاسرائيلي ضد ابناء الشعب الفلسطيني، باشكال مختلفة، كالحجر أو الرسم.

هاد مش جدار حدودي هاد جدار عنصري.

ككثير غيره، قام سائح استرالي “ لاش ساكس “ بالرسم على جدار الفصل العنصري دون تردد عندما رأى أن هذا الجدار يشكل له مساحة كبيرة و حرة للرسم عليها حيث انه فنان جرافيتي، و ما جذبه أكثر هو سهولة استغلال هذه المساحة لتسليط الضوء على نفسه و كسب عدد أكبر من المتابعين له و لفنه، و عليه قرر الإقامة مدة أطول هنا، و هذه كانت أولى علامات الاستفهام حول هذا “ السائح المقيم “؛ ببساطة قام باستغلال ما هو رمز للمعاناة و الاضطهاد — الجدار العنصري- لفئة معينة من الناس — الفلسطينين -، لمصلحته الشخصية، دون أدنى فهم أو إحساس بما يعنيه هذا المكان و ما يقوم هو به لمن يستغلهم.

بديش مستعمر يعلمني كيف أحارب الاستعمار

كثيرا من فعلوا ذلك، و انتهى بهم الأمر في ذلك المكان، و غادروا، لكن “ لاش ساكس “ أو “ السائح المقيم “ أكثر طمعا. قام بإعطاء طابع سياسي مبهم لرسوماته و التي بدورها جمعت حوله بعضا من الفنانين و الرسامين الفلسطينيين و بعضا آخر من المتابعين المحليين و العالميين، و الذين بدورهم بدأوا بمساعدته على الرسم أكثر والانتشار أكثر و بشكل ما بدأ بإعطاء هؤلاء الفنانين و المتابعين محاضرات في كيفية الرسم و الرسم المقاوم! متناسيا أنه يعطي هذه المحاضرات لفلسطينيين حضارتهم الفلسطينية تمتد منذ أكثر من 6000 عام قبل الميلاد، والتي استغلت الثورة و المقاومة جزءا كبيرا من تاريخها. متناسيا أيضا أنه كأسترالي جزء لا يتجزأ من فكرة و تاريخ استعماري حديث — الاستعمار البريطاني لأستراليا- و هنا أتسائل كيف قد يكون الحق لمستعمر أن يعلمني كيف أحارب المستعمرين؟!

السلام في فلسطين هو ان ترمي المحتل بالزهور و يعدها المحتل على قبرك بعد قتلك.

لم يتوقف “ السائح المقيم “ عند هذا الحد، فبالنظر الى رسوماته ترى انه يرسم من خلال أجندة محددة غريبة تتسم بشكل كبير بالعنصرية والتطرف اليميني و الفاشية و بأسلوب ماكر؛ مثلا اقتباس نيلسون مانديلا على صورة مورجان فريمان إن لم تعبر عن عنصرية ضد العرق الأسود فهي بالشكل الآخر تعبر عن سطحية الفلسطينيين. و رسوماته ضد اليهود — و نذكر ان هناك يهودا فلسطينيين- تعبر بشكل واضح و صريح عن عنصرية ضد اليهودية، و بالتالي ضد الفلسطينيين. و حتى في رسمه ل ترمب وهو يقبل نتنياهو، مستغلا العقلية العاطفية للفلسطينيين، و خطيئة العلاقة السياسية الغرامية بين ترمب و نتنياهو ليعكس بشكل فرضي فكرة خطيئة المجتمع المثلي، بأسلوب ماكر و عنصري.و قس على ذلك بما تبقى من رسومات.

و برأي كل ما هو على الجزء الداخلي من الجدار الجزء الذي يحبس الفلسطيني فهو بشكل ما يعبر عن ما يفكر به الفلسطينيين، على الأقل ما قبلوه او لم يرفضوه؛ فهو بالضرورة يقول اننا نحن عنصريين، فاشيين و متطرفين.

و كل من يحاول ان يصحح من ما يقوم به هذا “ السائح المقيم “ يقوم الأخير باتهامه انه اسرائيلي و أنه يطمس حرية التعبير، متناسيا أكثر حقيقة أن هذا الرد على منتقديه هو فعليا طمس لحرية التعبير. و أن ما يقوم به هو طمس لما سبقه من رسومات و كلمات على جدار الفصل العنصري كانت تعبر أكثر عن حقيقة ما يريد الفلسطينيين التعبير عنه على جدار الفصل العنصري — و الذي حسب ما سماه “ السائح المقيم “ — الجدار الحدودي — ؛ معطيا بذلك الاسم طابعا شرعيا و قانونيا لوجود جدار الفصل العنصري.

و لهذا يجب التأكيد على انه هنا فلسطين على ضفتي، و كل جهات الجدار.

هاد مش جدار حدودي، هاد جدار عنصري

بالنظر إلى كل ما سبق قياسا بدراسة غسان كنفاني “ في الأدب الصهيوني “، يخلق التساؤل نفسه عنوة عن ما إذا كان ما يقوم به “ لاش ساكس — السائح المقيم “ امتدادا للأدب و الفن الصهيوني أو تطورا مكملا له ؟ أم انه شخص غير واع تنطبق على فنه صفات الأدب الصهيوني ؟

--

--