حكايتي مع الكتابة
تسألني: أتظنّ أنّ أحداً بحاجة إلى قراءة ما تكتبه؟ وهل تصدّق أن هناك من لديه الوقت ليقرأ خواطرك الطويلة إلى نهايتها؟ وهل تتخيل أنّ في العالم من هو مهتم أصلاً بقراءة مواضيعك المُمِلّة أو سماع مواعظك المنفّرة؟ فلِم تضيّع ساعاتٍ فيما لا يعود عليك بنفعٍ يُنميك ولا مردود يُغنيك؟
قلت: أعلمُ أن الناس يتفاضلون بالسلوك والأعمال وليس بالكتابة والأقوال، غير أني اُمارسها لأنها أسلوب التعبير الأقرب لنفسي. ولا أمارسها ناصحاً أو متفاصحاً بل لعلّي ّأحوج النا س للنصيحة. فمن القرّاء من هو أبدع بريشته ومنهم من هو أصدق بشعره ومنهم من هو أبلغ بقوله ومنهم من هو أنجح بعمله.
إنما أنا أكتب لأتعلّم!
اقرأ في هذا الصدد: أنت أقوى مما تظن
– فمنذ أن اكتشفت أن الكتابة من أفضل الرياضات العقلية، أقبلت عليها كتمارين تضفي الحيوية حين أمارس خلالها العصف الذهني بطرح مواضيع مكتملة. تبدأ بمقدّمة تهيّء لمواضيعي المختلفة، مروراً بعَرضٍ أقوم فيه بتحليلها بشكل متسلسل ومنطقي، وصولاً الى خاتمةٍ تكون ثمرة رؤيتي نحوها.
– وخلال ممارسة الكتابة أقوم باستخدام ألوان المفردات من مترادفات وأضداد، وتعابير ودلالات، مما ينمّي ملكتي اللغوية، ويحسّن من قدرتي على المناقشة وتبادل الأفكار.
– وتساعدني الكتابة فوق ذلك على مذاكرة قواعد النحو والاملاء، ويعينني أستخدام شواهد تخدم المواضيع في رفع كفاءة الذاكرة عندي.
– كما وتساعد الكتابة على تقويم نفسي: فهي تحرر أفكاري من السلبية إذ أشعر لدى إتمامها براحة عارمة.
– وهي تساهم في تطوير ذاتي: لأن تشجيعي للآخرين على التغيير والحلم والطموح والتنظيم والاجتهاد، يعطيني طاقةً كامنة ورغبةً أكيدة لأن أكون صادقاً مع نفسي فأصبح في طليعة المتغيرين.
– والكتابة تجعلني أكثر ثقةً بنفسي يوماً بعد يوم: فلا يخفى أنه كلما أتممنا عملاً، أحسسنا بقوةٍ ورغبة في الإقدام على عملٍ يليه. لأن النجاح سلسلة مترابطة الحلقات لا انفكاك لها.
– وهي مع ذلك كلّه طريقةٌ حضارية للتعبير: لأنها لا ترغم أحداً على الاستماع كما أنها لا تسرق وقت أحد. ولا يضطر الناس معها الى مجاملتي أو معارضتي، يل يستطيعون تجاهلي وما أكتبه بسهولة.
– وهي مطواع لي اّمارسها وقتما اّشاء وفي المكان الذي أشاء: وليس كما تشاء الظروف.
– وأكتب معذرةً إلى ربّي: فممارسة التبليغ من خلال الكتابة للعموم لهي طريقةٌ راقية لا حرج فيها.
ولي فيها مآرب أخرى:
اقرأ أيضا في هذا الصدد: عشر ممارسات تجلب السعادة النجاح
– إذ أعطتني بطاقة التعريف عن ذاتي: فاكسبتني أصدقاء جمعتني بهم وحدة الإهتمامات واسلوب التفكير.
– وهي وسيلتي لتدوين مراحل العمر عبر محطات وقفتُ عندها وخواطر كتبتها، لتصبح شاهدةً على تطور نظرتي تجاه الحياة ورؤيتي لسبل الفوز فيها.
– وأخيرا تمثل الكتابة وسيلتي الوحيدة التي أرجو أن يَتعرّف بها عليّ، وليدي الذي لم يرَ النور بعد، من خلال حَبلي السري الذي مددته له، لأنسج وشائج محبة. ذلك أنه إن شاء الله له بالقدوم يوماً، فلن يتسنى لي أن أعيش بما يكفي لنتبادل النصح وطيب الصحبة. فلربما يدفعه الفضول يوماً ليطلع على آرائي ويقرأ بعض نصائحي، أو لعل الحنين يشدّه إلى البحث عني وقت ضعفه، فيعثر عليّ في ثنايا خواطري.
إن أعجبك الموضوع، فساهم في نشره. فإن عجزت عن ذلك، فشارة إعجاب تكفي.