لمحة سريعة حول كتاب “فن اللامبالاة”

Youghourta Benali
Arabic Posts
Published in
3 min readSep 28, 2017

The Subtle Art of Not Giving a F*ck

من الكُتب التي لما تُنهيها لا تدري كيف ستحكم عليها. ربما لأن الكتاب يبدأ بداية قويّة جدًا وتتوقع أن يبقى بتلك القوّة، لكنّه ينحدر بك إلى مُنخفض قبل أن يُختتم بفصل قوي. أو ربما لأنني قرأت كتابًا مُشابها له حتى في العنوان وفي الألفاظ (النابية؟) المُستخدمة فيه* واختلطت علي أفكار الكتابين فلم أعد أعرف إلى أي كتاب تنتمي أية فكرة. أو ربما لأنه يُغلّف بأسلوب جميل أفكارًا يُفترض بها أن تكون من الأمور المُتعارف عليها لكن -للأسف- يجهلها (أو يتجاهلها الكثيرون). أو لأمر آخر تمامًا… صراحة لا أكترث كثيرًا (لأستعمل نفس لغة ومنهج الكتاب :) ).

الفكرة العامة للكتاب هي: هناك أمور كثيرة قد ترغب أنت (أو ترغب هي) في أن تكثر لها. أمور بعضها ضروري، بعضها ثانوي، وبعضها مُضر يجب أن تتجنبه. الإشكال يكمن في أنه لتحيا حياة هنيّة، تحتاج أن تعرف الأمور التي يجب أن تكترث لها وتحتاج أن تعرف الأمور التي لا يجب أن توليها أي اهتمام.

من بين الأفكار القوية في الكتاب فكرة أنه إذا وجدت نفسك (أو غيرك) تهتم لأمور كثيرة وأكثر هذه الأمور إما تافه، أو دقيق جدًا أو لا يستحق الاهتمام، فهذا بطبيعة الحال مُشكل، لكنه -حسب الكاتب- ليس سوى مظهر لمُشكل أعمق، حيث أن الاهتمام بمثل هذه التفاهات راجع إلى عدم وجود أمر أكبر وأجل قدرًا يشغل اهتمامك. الطبيعة تخشى الفراغ، والبشر كذلك، إن كانت دائرة اهتماماتك فارغة فستجد نفسد قد ملأتها بما يصلح ولا ما يصلح أن تُمضي وقتك فيك، وعليه يجب أن تعيد ترتيب أولوياتك إن أردت أن تحيا حياة هنيّة.
على عكس كتب “التنمية البشرية” الكلاسيكية (والمُملة) والتي تدعوك إلى أن تكون إيجابيا دائمًا وأن تُصبح الأفضل فيما تقوم به، أو أن “تُطارد” السعادة بكل ما أوتيت من جُهد وقوّة، يدعوك الكاتب إلى قلب هذه المفاهيم رأسًا على عقب. فمطاردتك للسّعادة أكبر دليل على أنك تُعاني مُشكلًا في هذا المجال، ومُطاردتك للسّعادة — خاصّة بالأسلوب الذي تُروّج له كتب التنمية البشرية أو كما هو مُتعارف عليه خاصة في الثقافات الغربية– هو ما سيُبقيك تعيسًا بعيدًا عن تلك السّعادة المنشودة، وتقبّلك لنفسك على ما أنت عليه ومُواجهتك لأخطائك وعيوبك ومشاكلك بكل واقعية هو بداية الطريق نحو السّعادة، أما مُحاولة أن تكون إيجابيا دائمًا فستمنعك من رؤية الأمور على حقيقتها، وهو أول ما يجب عليك القيام به (رؤية الأمور على حقيقتها) إن كنت تأمل في إيجاد حلول حقيقية لها.
في نظر الكاتب، لا توجد حياة خالية من المشاكل، ولا يجب عليك أصلًا أن تسعى لحياة خالية من المشاكل، وإنما يجب عليك أن تسعى إلى “امتلاك” مشاكل جيّدة، مشاكل تستحق أن تبذل جُهدًا ووقتًا ليس بالضرورة للقضاء عليها كلّيّة وإنما لتجعلها “مشاكل أفضل”، مشاكل لما تحلّها ستخلق مشاكل إضافية، لكنّها مشاكل أفضل وأعلى قدرَا من سابقاتيها.
فعلى سبيل المثال، البدانة مُشكل عويص، الحل ليس في أن تتخلص منها بأي ثمن (جراحة مثلا؟) وإنما أن تُحوّلها إلى مشكل أفضل وأرقى، مشكل أن تُسجّل في نادٍ للرياضة، مشكل أن تُضطّر إلى تخصيص وقت مُحّدد، عدّة مرات في الأسبوع لتُمارس الرياضة. لن تخلو حياتك من المشاكل في هذا الحال، لكنها مشاكل أفضل وأرقى.
الكتاب لا يسعى إلى أن يحلّ مشاكلك كلّها أو أن يُريك الطّريق لتصبح الأفضل، فالكتاب على حسب ما يُشير إليه الكاتب — لا يكترث لذلك (استخدم العبارة الموجودة في العنوان لتعرف كيف قالها :) ). الكتاب يدعوك إلى إعادة النّظر في أولوياتك، أن تنظر إلى الأمور بواقعية، بعيدا عن الإيجابية المُزيّفة، أن تكف عن الاعتقاد بأن “الأكثر” أو “الأفضل” يعني دائمًا “الأسعد”، كتاب يدعوك أن تنضج كشخص وتنضج أفكاره وأهدافك وأولوياتك معك.

أيّهما يجب أن تقرأ؟ هذا الكتاب أو الكتاب الآخر* (ستجد مُراجعتي له في الرّابط أدناه) الذي اختلطت علي مفاهيمه مع مفاهيم هذا الكتاب؟ صراحة لا أدري ولا أكترث :)

— -
*: The Life-Changing Magic of Not Giving a F*ck: How to Stop Spending Time You Don’t Have with People You Don’t Like Doing Things You Don’t Want to Do
https://www.goodreads.com/review/show/1928590608?book_show_action=false&from_review_page=1

--

--