وضعية الفلاحين في باجة

Promotion Ahmed Tlili, Session #2 — Le 17/11/2020

Mehdi Cherif
Génération Transition
5 min readFeb 2, 2020

--

استقبل شباب منظمة جيل الانتقال هذا الاسبوع الدكتورة هاجر الجندوبي والتي قامت بتقديم بحوثها المندرجة ضمن إختصاص علم الإجتماع الريفي. وقد كان عرضها يرتكز أساسا على تحليل الوضعيتين الإجتماعية و المهنية بهذا الوسط، خاصة مسألة دراسة ديناميكية المسارات المهنية.

في البداية، انطلقت الباحثة في رسم ملامح الإطار العام للوسط الريفي. حيث أكّدت الباحثة عمق الآثار التي خلفتها السياسات الاستعمارية من استحواذ على الأراضي الخصبة في مناطق الشمال الغربي. كما كشفت إعتماد دولة الإستقلال على نفس الآليات المعتمدة لتنظيم المجال الريفي، وذلك عبر السياسات العقارية أساسا.

إلى جانب ذلك، ذكّرت بوجود ازدواجية على مستوى كل من الاقتصاد و المجتمع، و أكّدت وجود عملية اقتطاع للمداخيل تتم لصالح المركز.

ثم شرعت في تفسير كيفية وجود بنيات متطورة مستحوذ عليها من ذوي المراكز الإجتماعية من كبار الفلاحين و هو ما يمكنهم من التعامل مع المؤسسات الكبرى على عكس غيرهم من الفلاحين. علما و أن ما يسمى بكبار الفلاحين هم من يتمتعون بأراضي تفوق 50 هكتار. علما و أن الدولة بعد الإستقلال حاولت عبر الإصلاح الزراعي و تقسيم الأراضي الدولية إلى مجموعة تقاسيم لمستثمرين خواص لتدارك إشكالية هذا التفاوت بين الفلاحين الذي ساهم في تعميقه وقع تفتت الإرث العائلي خاصة تلك الممتلكات الفلاحية التي تتراوح بين 0 و 5 هكتارات.

وهو ما يتعايش في آن واحد مع ظاهرة تفكك المجتمع الفلاحي التقليدي و إشكالية النزوح و سوء التشغيل.

وقد تم تركيز الدراسة التي قامت بها الدكتورة الجندوبي حول حالة كلّ من الفلاحين الصغار و المتوسطين و كيفية تعاملهم مع هذة التطورات التي سبق و أن فسرتها. حيث تمحورت هذه الأخيرة حول 156 فلاح موضوع الدراسة. وكان تساؤلها الأساسي حول مدى وجود استمرارية إلى جانب مدى إمكان الفلاحة العائلية من توفير المداخيل اللازمة. كما تمت دراسة إمكان وجود تطور في توزيع الأدوار بداخل المستغلات الفلاحية من عدمه.

في هذه الدراسة، تم الاختيار على أربع معتمديات من ولاية باجة مع وجود تقسيم مكن من تمثيل كل من من يعتمدون الجبال أو السهول و من يعتمدون الزراعات البعلية أو السقوية. علما كذلك وأن 13 امرأة فقط في وضع صاحبات مستغلات فلاحية كانت محور للدراسة.

قامت الدراسة في البداية بتشخيص مهام الإنتاج و إعادة الإنتاج فيما بين أعضاء العائلة: و هو ما مكن من كشف ديمومتها، حيث مازلت أغلبها محافظة على التقسيمات القديمة فالحرث و الحصاد و ما بعد الحصاد هي أدوار رجالية. و بقي عكس ذلك دور المرأة منحصرا في الماشية و التنظيف و المياه. كما بقيت بالإضافة إلى ذلك إعادة الإنتاج و التعامل مع السوق حكرا على الرجال عبر تقسيم تقليدي. كذلك أيضا التعامل مع الإداراة و الهياكل الأخرى.

في مستوى آخر، كشفت الدراسة عن حاجة ماسة لتطوير وسائل الإنتاج مثل إدخال التقنيات الجديدة و إعتماد الأدوية و إدماج طرق الريّ الحديثة و ذلك بحثا عن زيادة المداخيل. و هو ما خلق حاجة لوجود المدخرات و هو ما يصعبه التوازى في تطور حاجيات العائلة.و هو ما خلق حاجة لمقارنة المداخيل و الحاجيات و ذلك من أجل تقييم مدى إمكان خلق استمرارية في انتاج المستغلة الفلاحية.

وهي مقارنة أفضت إلى التأكيد على الحاجة الماسة لتطوير فلاحة ذات إنتاج مندمج يمكن فعليا و باستمرارية من توفير مداخيل على مدى السنة. لكن السؤال الذي يطرح على هذا المستوى هو حول معرفة مدى إمكان المداخيل المتوفرة حاليا من تمكين للعمل على إنجاح مثل هذا الإنتقال.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت الباحثة أنه طوال فترة الدراسة، تم تشخيص سلبية في دور اتحاد الفلاحين و مجامع التنمية خاصة في شكلها الجماعي و هي نزعة لم يتم تفعيلها قدر الحاجة. و النتيجة هي عدم امكان المستغلات أقل من 5 هكتار من خلق استمرارية، مع وجود مداخيل متغيرة للمستغلات المتوسطة. و هذا الخوف لدى الفلاحين من العمل الجماعي يجد تفسيره في التجربة التعاضدية و ما خلفته من تفقير للفلاحين

كما كشفت أنه في العديد من مراحل الإنتاج، يلاحظ تراجع الدولة خاصة في علاقته بتدعيم عناصر الإنتاج مثل عملية دعم أسعار الأدوية. وقد دفع الإرتفاع في مثل هاته الأسعار بالإضافة إلى عدم وجود مدخرات إلى الحاجة الماسة إلى القروض. فالفلاّح يطالب اليوم إذا برجوع دور الدولة إلى سالف عهده خاصة على مستوى دعم القطاع. كما تجدر الإشارة إلى غياب الجانب التشاركي من برامج الدعم حينما وجدت، فهي في بعض الأحيان لا تستجيب لحاجات واقعية و تكون إذن مسقطة.

كما أكّدت الدراسة كذلك مدى واقعية خطر التفكك التي تواجه الكثير من المستغلات الفلاحية. خاصة بسبب المسار المهني لأبناء الفلاحين كورثاء لهاته المستغلات. حيث يتوجه أغلب هؤلاء نحو أنشطة أخري لخلق مداخيل تلبّي حاجيات العائلة و المستغلة الفلاحية في إطار البحث عن استمراريتها. في بعض الأحيان تكون هذه الأنشطة غير فلاحية، كما تكون عادة صناعية رغم غياب المناطق الصناعية المستقطبة في مدن مثلا باجة. و هو ما دفع الدولة إلى البحث عن إمكانية دعم الصناعات التحويلية و ربط الفلاحة بالصناعة عبر العلاقات التعاقدية: فهنالك إذن حاجة ماسة إلى الاندماج بين القطاعين الفلاحي و الصناعي.

على مستوى آخر، تكشف دراسة أسعار الحبوب، والتي بقيت محددة من قبل الدولة، أنها لا تطور الإنتاج بالقدر الكافي. وهي عملية تقوم بها الدولة بحثا عن توازنات اجتماعية أخرى مثل الإبقاء على سعر الخبز. فيستفيد إذن الوسيط عموما و منها المطاحن مثلا، مقابل أن يجد الفلاح نفسه الخاسر في هاته الحلقة.

وضع الفلاح أصبح إذن أصعب من وضع الأجير حسب الفلاحين خاصة أمام تطور تبعيته و تراجع دور الدولة في دعم أسعار بعض المنتوجات و إشكال الإقتطاع المباشر من التعاضديات بعد الحصاد و إعادة إنتاج حالة التأزم. إلى جانب تقلب حالة الفلاحين الصغار و المتوسطين و تباينها، و إشكال التوارث العائلي و المسار المهني للأبناء و أهمية الجانب العقاري و تعلم المهنة و الحاجة لوجود هياكل لمنظومة التكوين الفلاحي لتطوير المهنة وسط أزمة لتوريث المهنة و النظرة السلبية للشباب للقطاع الفلاحي.

هنالك في هذا الإطار حاجة ماسة لدراسة نفس هذه التحولات على مستوى الجيل الجديد خاصة و أن أغلب المستغلات الفلاحية تبقى موروثة. والتي ستفضي إلى وجود 3 مسارات مهنية مفترضة: إما القبول بإعادة إنتاج الموروث العائلي وذلك عند وجود رأسمال عقاري مهم و امتلاك الآلات الفلاحية و وجود استراتيجية تطوير. علما و أنه كان قرار ثمرة نقاش مطول. وإما في حالات أخرى القبول بذلك لعدم وجود خيارات أخري نتيجة لعوامل مثل الانقطاع عن التعليم و العمل المبكر و صغر حجم العقار ب6 هكتارات و إعتماد نظام بعلي. وأخيرا توجد إمكانية وجود قرار المغادرة و رفض الموروث العائلي خاصة مع وجود هجرة و نزوح للمدن وتفضيل نمط حياة المؤجر و امتداد فترة الدراسة و نجاحها.

إن دراسة الممارسة الفلاحية إذن غنية بوجود ديناميكية داخلية في تطوير القطاع.علما وأن هنالك حاجة لتفعيل بحوث تشاركية لتشخيص الواقع. إلى جانب وجود حاجة إلى تفعيل مناهج بحث جديدة لدراسة الفعل المحلي، خاصة منها منهج البحث النشيط لتشخيص المشاكل المحلية و تموقع الفلاح.علما و أنه عند إنتاج المعرفة، يمكن أن يوصل عالم الإجتماع هذه المعرفة إلى صانعي القرار.

--

--

Mehdi Cherif
Génération Transition

Author, communicator and education specialist. Find me on facebook @MehdiAimeLecole.