ثمار متمرّدة

رحاب مجدوب

بوادر عام تلوح منذ كنت واقفة على حافة طريق عام محتمية من قطرات الشّتاء الأولى ببضع شجيرات، عندما توقف على مقربة منّي رجل في آخر أيام الكهولة قصير القامة، ضيّق العينين، خطوط الزمن مرّت منذ برهة على ثنايا وجهه و الآثار باقية إلى حين. لم تستملني الملامح بل محاولة هذا المقبل على شيخوخة باردة أن يمسك بعض ثمارالرمّان التي، و لسوء حظّه، فرّت من كيسه متدحرجة على الأرض. ظلّ يلتقطها في عناء، محاولا في الآن نفسه أن يحافظ على توازن درّاجته التي تحمل معوله. وسط تحجّري و صراعه، مرّت إمرأة ممتلئة الجسم و ألقت القبض في حزم على الهاربات. ابتسم الرجل و أصرّ اقتسام ثماره و المرأة، لكنّها لم تقبل إلا واحدة. مضى الرجل، مضت المرأة و مضيت أنا كلّ في طريق

كلّما عدت بالذّاكرة إلى تلك الدقائق الخمس، تحسّست الإنسان في أكمل تعريفاته عاريا مجرّدا شفّافا. الحقيقة أنّ المجتمع التونسي ما فتئ يرزح تحت وطأة التفرقة التي صنعت منه مجموعات مهووسة بفكرها و انتماءاتها، ترى في الآخر تهديدا لخصوصيّاتها. لهذا السّبب بالذّات احتفظت بأبطال مشهدي المتواضع كدليل على أنّنا حملنا دوما بذرة التعايش داخلنا و لنستعيدها علينا فقط أن ننصت و أن نلتفت حولنا لربما احتاجنا احدهم للامساك ببضع ثمارمتمرّدة