سرد الحكايات: وسيلتنا للتخفف وملاذنا الآمن

| Sima |
zapheer
Published in
4 min readMar 26, 2019

لماذا نميل إلى التشارك؟

لا أحب الشاي وأكره مرارته لكنني شديدة التعلق به كرمز مقدّس للحكايات والجلسات الدافئة؛ صوت الماء المغلي وهو يُسكب في الأكواب يعني أن الحديث سيبدأ وأننا على موعد مع حكايات طويلة.

ببساطة هذا عالم حكاياتنا كنساء، سرّي ومغمور بدفء عجيب و بقدر ما تراه بسيطًا بقدر تعقيده، عالم يبدو لمن خارجه بلا أسرار ولكنّه متخمًا بالتفاصيل، تنساب فيه الحكايات متشبعة بالحنين والعاطفة والجزيئات الصغيرة التي لا يفهمها سوانا. هكذا كان الجلوس مع صديقاتي يخلق في قلبي وهجًا خاصًا، ينسكب الحديث بينا ويمتد حتى الصباح، وهكذا كان اجتماع خالاتي أمرًا يدعو للاحتفال، إذ نغلق على أنفسنا الغرفة ونخلق مساحتنا النسائية الآمنة لنلتقط أنفاسنا بعيدًا عن الرجال.

كيف حوّل المجتمع حكاياتنا إلى سبّة؟

لسنوات طويلة ظل السؤال يبرز في عقلي من حين لآخر، لماذا نميل كنساء إلى الحكي وما سر هذا التخفف الذي نشعر به بعد التشارك، فلم أجد إجابة سوى أننا مثقلات بتفاصيل أكثر لا يدركها الرجال، ولأن قضايانا الاجتماعية لا يمكن أن يشعر بها رجل حتى وإن علم بوجودها، وبشكل عام من المستحيل أن يفهم مشاعر امرأة تماماً إلا امرأة مثلها مما يخلق بالضرورة هذا الدفء والسكينة في حديث النساء لبعضهن، ربّما كان هنا مربط الفرس، ولكن كيف حوّل المجتمع هذا الارتباط الفطري بالحكاية إلى سبّة وامتص منه نكاتًا ساخرة وأوصافًا قبيحة؟

كفتاة وُلدت وتعيش في مجتمع عربي، اعتدت طيلة الوقت على سماع أوصاف عنصرية متأصلة لحديث النساء لبعضهن، سمعت كثيرًا عبارات مثل “ستات لتاتة” أي كثيرة الكلام، و “كلام نسوان” وهي عبارة اعتاد الناس على استخدامها كسبة لوصف أي حديث فارغ من المعنى والقيمة، كما سمعت عشرات النكات المستخلصة من صورة الزوجة التي لا تكف عن الكلام أو “الزنانة” التي تعيد تكرار الحديث لأكثر من مرّة، أو ناقلة الكلام، أو كثيرة الشكوى، وقرأت عشرات المرات حكايات كانت البطلة فيها المرأة التي لا تستطيع أن تكتم سرًا.

في السياق نفسه خلق المجتمع تمييزًا بين الرجال والنساء فيما يخص الحكايات بدون عدالة، إذ أكسب حديث الرجال حصانة وتمجيدًا، فمثلاً إذا أراد شخص أن يؤكد لآخر على التزامه بما يقول فيستخدم عبارة “كلام رجالة”، وفي اتفاقات الزواج بين الأسرتين في مصر يتم ترك الحديث حول التفاصيل المهمة للرجال للتأكيد على الجدية فيما يتم ترك مقدمات التعارف العاطفية للنساء، وفي المسلسلات التلفزيونية يظهر البطل وهو يقول “هاتولي راجل أكلمه” للدلالة على أن الحديث مع النساء لا قيمة له.

هل عجِز المجتمع عن تفهم طبيعة تفكير النساء وقدرتهن على التقاط التفاصيل فقرر دون مناقشة أن حديثهن — مهما كان — فارغ؟ ربّما، لكنّه يا للعجب لم يتخذ الموقف نفسه من الرجال الذين يحملون صفات الشكوى والحديث الفارغ، وحين أراد وصم من يحملها منهم، شبههم بالنساء.

هل نختلف في طريقة الحكي؟

في إحدى جلسات ورشة “السيكو دراما” التي حضرتها، جلست في دائرة كبيرة تتضمن نساء من جنسيات عربية مختلفة، قبل البدء بدونا مختلفين جداً بملامحنا وطريقة حديثنا وبعد ساعات ذابت كل الفروق كأننا ربينا في البيت نفسه، طلبت منسقة الجلسة من كل واحدة فينا أن تحكي تجربة آلمتها وتركت في قلبها جُرحًا، انسكبت الحكايات وتدفقت، كانت بخلاف اللهجة التي تُروى بها متشابهة ومتماثلة إلى حد جرّدها من جنسيتها وملامحها الشخصية، صحيح أن الحكايات وقعت في بلدان مختلفة لكنّ بطلاتها نساء بينهن كل هذه القضايا المشتركة والأوجاع المتماثلة.

أدهشني هذا التشابه العجيب في الطريقة التي نحكي بها، في استرسال التفاصيل التي لا يمكن أن يحكيها بهذا الشكل سوى أنثى، ربّما كان السبب أن الأنثى العربية وحدها تفهم ما يعنيه انكسار امرأة وألمها وبحثها عمّا تفقد، الأنثى وحدها تعرف كيف تملأ التفاصيل من أوجاعها فتخرج مشوبة بأدب فطري، قف أمام امرأة تحكي عن شيء يؤلمها أو يثير غضبها دون أن تنظر لها بعنصرية ونفاد صبر، ستكتشف أن كل ما تحكيه له قيمة،لا تفاصيل زائدة، فقط تفاصيل لم تكن لديك قدرة على رؤيتها.

كرجل وامرأة، هل نحن مختلفان في طريقتنا في التعبير والحكي؟ بكل تأكيد نعم، وبكل تأكيد أيضاً نحن نحتاج إلى وقت أطول لإيصال الرسالة.

الأمر ليس متعلقًا بدفاع أعمى عن موقفنا كنساء، ولكنه متعلق بأننا نرى بالفعل تفاصيل وألوان أكثر، نلتقط ما بين السطور بقدرة أعلى ونتفوق في الوصف ونغلف الحكايات بالعاطفة، لذا من الطبيعي أن نستغرق وقتًا أطول في الوصف وطريقة الحكي وليس من الضرورة أن تكون طريقتنا مباشرة وقصيرة ومحدّدة.

هل حفزت مواقع التواصل الحكي لدى النساء؟

كنساء، ربما تشترك كثيرات منا في الشعور بالخناق وبأن صوتها غير مسموع، بدءً من دوائرنا القريبة حتى الدوائر الأكثر اتساعًا في مجتمعنا كدوائر العمل والسياسة وغيرها، لذا ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي بما أتاحته من سهولة وإمكانية على إحداث طفرة حقيقية في تعبير النساء عن مشكلاتهن وتجاربهن.

تخيل ما الذي يجبر نساء أن يخاطرن بأسمائهن الحقيقية لرواية تفاصيل خاصة جداً عن حياتهن لأخريات لا يعرفهن إلا لشعورهن بالحصار؟ أو بأنهن لا يحظين بقدرة الآخرين على الفهم؟

كل ما نحتاج إليه أن تُسمع أصواتنا وأن يدرك المجتمع أننا نرى ما لا يراه الرجال فنحكي بطريقتنا الخاصة، وتفاصيلنا الملونة.

مقتبس من هدير الحضري

--

--

| Sima |
zapheer
Editor for

Catch me ranting about hummus and mental health