هذا ما يفعله اكتئاب ما بعد الولادة بواحدة من كل 6 نساء

| Sima |
zapheer
Published in
5 min readFeb 4, 2019

تنتظر كثيرٌ من النساء لحظة وضع مولودهن بشوق ولهفة، وحين يتحقق لهن المراد يفاجئن بأن فرحتهن المنتظرة سُلبت منهن. تسيطر عليهن مشاعر الحزن والكآبة، يدخلن في نوبات بكاء متكررة وقد تنتابهن أفكاراً سوداء قد تصل في بعض الأحيان لمحاولة قتل أطفالهن.

هذا ما يفعله اكتئاب ما بعد الولادة بواحدة من كل 6 نساء من اللواتي ينجبن الأطفال، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

رغم أن السبب الحقيقي للمرض غير واضح إلى الآن، ولكن يمكن القول إن سبب المرض قد يكون نتيجة تفاعل عوامل جسدية ونفسية مع بعضها البعض. وتشمل تلك العوامل الجسدية عدم توازن في الهرمونات وعدم الحصول على قسط كاف من النوم. ومن المخاطر التي قد تساعد في ظهور المرض، الإصابة بازدواج الشخصية، أو قد يكون التاريخ العائلي للمريض يشمل الإصابة بالاكتئاب، الإجهاد النفسي، مضاعفات الولادة، نقص الدعم، أو تعاطي المخدرات.

يمكن أن يدوم الاكتئاب لأشهر بعد الولادة أو حتى سنوات إن لم يُعالج، ولا يقتصر تأثيره على صحة المرأة ولكنه يؤثر أيضًا على معدل نمو طفلها.

ويوضح الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن هناك سيدات يكون لديهن استعداد أكبر من غيرهن للإصابة: “النساء اللاتي يعانين من التقلبات المزاجية قبل موعد دورتهن الشهرية ومن يوجد في تاريخ عائلاتهن مرض الاكتئاب أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة”.

تختلف درجة الاكتئاب من سيدة لأخرى، ويوحدهن الشعور المستمر بالحزن والذنب واليأس، وقد يؤثر عند البعض على الشهية والنوم، وصولاً لأخطر مرحلة وهي الأفكار الانتحارية أو محاولة قتل المولود.

وينصح أستاذ الطب النفسي الأسرة والمحيطين بالأم بعدم الاستهانة بمشاعرها أو تأنيبها على مشاعرها المتخبطة، التي لا يد لها فيها.

وأيضاً ينصح الأم في المقابل بعدم الخجل من الإفصاح عن مشاعرها وطلب المساعدة من الآخرين، مؤكداً أن “الدعم النفسي هو أساس العلاج”.

تتجاوز بعض الحالات اكتئابها بدعم الزوج والأسرة والأصدقاء في حين تحتاج الحالات الأكثر تعقيداً إلى زيارة طبيب نفسي لمساعدتها على تجاوز مخاوفها وحزنها سواء عن طريق الدعم النفسي أو بعض العقاقير المساعدة.

وهذا ما حدث مع أماني عطية (38 عاما)، فحين علمت بخبر حملها لم تكن سعيدة وحاولت إجهاض الجنين عدة مرات ومن شدة اكتئابها تعرضت لولادة مبكرة في الشهر الثامن، مما زادت كآبتها بعد الولادة “كرهت نفسي وكرهت الرضاعة وكنت لا أحتمل أن يوضع مولودي على صدري”.

حين وصلت إلى درجة غير محتملة من الاكتئاب جعلتها تغادر منزل الزوجية، بدأت أماني تزور طبيباً نفسياً، وأكثر ما كانت تشكو منه لطبيبها هو عدم استيعاب من حولها لمشاعرها واتهامها بالتقصير في حق طفلها، وتعليقاتهم المستهجنة مثل “أنت لست أماً” و” كل النساء تحمل وتلد”.

وساعد العلاج النفسي أماني على التخلص من مشاعرها السلبية تجاه نفسها وطفلها، والشعور بفرحة الأمومة الفطرية، إلا أنها ورغم مرور 4 سنوات لا تريد الإنجاب مرة أخرى خوفاً من أن تتعرض مرة ثانية لهذه التجربة المريرة.

بالمثل لم تستقبل فاتن محمد (اسم مستعار) الأم العشرينية مولودها بمشاعر الأمومة المُنتظرة، التي طالما سمعت النساء يتحدثن عنها “كنت أشعر طول الوقت بأن شخصًا يقبض على رقبتي ويحاول خنقي”.

وفي إحدى نوبات الكآبة كادت أن تفعل ما لا تحمد عقباه “كان طفلي يبكي بكاء هستيري، لم أشعر بنفسي وأنا أحمله بعنف، وأحاول كتم أنفاسه لعدة ثوان، ثم أنفجر في بكاء لا يتوقف”.

وبقدر ما شعرت وقتها بالكره لحياتها وحتى لطفلها، كان شعورها بالذنب أكبر وأشد إيلاماً.

خوف “سارة عمرو” (34 عاماً) من مسؤولية تربية توأم كان مبعث اكتئابها طوال أشهر الحمل وبعد الولادة “بعد أن أفاقت من الولادة لم أكن أرغب في رؤيتهما، ولم أكن أتوقف عن البكاء”.

حين تحدثت عن مشاعرها مع أسرتها تعرضت للهجوم الذي زاد من شعورها بالذنب، وزاد من اكتئابها عدم مشاركة والد طفلتيها في تحمل مسؤوليتهما.

نوبات انفعالها على الطفلتين والإحساس بالذنب والحزن الذي صار مرافقاً دائماً لها جعلها تأخذ خطوة الذهاب لأخصائية نفسية ومع العلاج تحسنت علاقتها بطفلتيه، تقول: “حب الفتاتين لي وحبي لهما ساعدني على تجاوز أزمتي النفسية إلى حد كبير”.

التحدث مع أمهات أخريات مررن بالتجربة وتبادل خبراتهن مع بعضهن البعض، من العوامل المساعدة لتجاوز اكتئاب ما بعد الولادة وفقاً لما تنصح به منظمة الصحة العالمية. بهذه الطريقة تجاوزت ماري، البالغة من العمر 27 عاماً، محنتها مع اكتئاب ما بعد الولادة: “تحدثت في البداية مع زوجي وكان يدعمني أحياناً ولكنه مل من كثرة كآبتي وتحدثت مع صديقاتي المقربات لكن رغم دعمهن لي لم يفهمن ما أمرّ به، وبحثت عبر الإنترنت فوجدت أن هناك كثير من النساء يشعرن بما أشعر به وأكثر، وقرأت تجارب أمهات في مواقع نسائية وتواصلت مع بعضهن وساعدني ذلك كثيرًا لأني شعرت أنني لست وحدي”.

بعض الكتب، التي استعرضت تجارب نساء مع اكتئاب ما بعد الولادة، كانت ملهمة كذلك بالنسبة لها منها “حليب أسود” للكاتبة التركية إليف شافاق التي لم تسلم بدورها من شبح الاكتئاب والذي حرمها من الكتابة لمدة 8 أشهر بعد ولادة طفلها المُنتظر.

وكتاب “كيف تلتئم؟ عن الأمومة وأشباحها” للكاتبة إيمان مرسال والتي استمر معها اكتئاب ما بعد الولادة لستة أشهر، من المؤلفات الهامة في هذا الصدد أيضًا.

“لا أحد يتفهم إحساس المرأة التي تشعر بعد إنجاب طفلها بأن حياتها السابقة انتهت وتغير شكلها للأبد”. تشكو ماري من قلة الوعي المجتمعي الذي يدفع أكثر النساء إلى كتم شكواهن وتحمل نصيبهن من الألم في صمت.

وتضيف أنه حتى أطباء النساء والولادة لا يهتمون بالعامل النفسي خلال متابعة الحمل، ولا يمهدون للمرأة ما يمكن أن تمر به بعد الولادة وكيف تتعامل معه.

“كان عمري 21 عاماً وعمر زواجي أسبوعين حين علمت بأنني حامل، كانت صدمتي كبيرة، كنت أنام طوال اليوم وحين أستيقظ أبكي حتى أعود للنوم”. تحكي منى أبو عمير (29 عاماً) كيف بدأ معها الاكتئاب منذ معرفتها بخبر الحمل لشعورها بأن حياتها انتهت قبل أن تبدأ.

لم يتفهم أحد مشاعرها، وقوبلت بالاستهجان من الكل حتى من طبيبتها التي كانت توبخها “احمدي ربنا غيرك يتمنى ظفر طفل”، ومع ازدياد حدة اكتئابها وشعورها بأن الحياة يغلب عليها السواد، قررت أن تجهض نفسها ولكن محاولاتها فشلت وجاءت طفلتها في موعدها المحتوم.

أخذت عدة أشهر حتى استطاعت أن تتقبل شكل جسدها بعد الولادة وتتخلص من الألم، وبدعم وحب زوجها وطفلتها تخطت هذه المرحلة الصعبة “شعرت بالندم لتفكيري في التخلص من ابنتي وبعد مرور 7 سنوات فعلت كل ما كنت أظن أنني لن أستطيع فعله. أشعر أن طفلتي هي إنجازي الوحيد رغم أنها جاءت رغماً عني، ولكن لا زلت خائفة من الإنجاب رغم مرور كل هذه السنوات حتى لا أمر بهذه التجربة مرة أخرى”.

ومن يظن أن هذه المعاناة مستحدثة وسط نساء اليوم؟ فربما عليه أن يعيد النظر. فقبل 25 عاماً مرت إيمان السيد (57 عاماً) باكتئاب ما بعد الولادة وتصفه بأنه “شعور مرير كأن هناك حجراً فوق صدرك يمنع عنه الهواء”.

وتضيف “كنت أنظر لطفلي بمشاعر متخبطة، لا أطيق النظر إليه وأشفق عليه في الوقت ذاته، ولا أفهم لماذا يحدث لي ذلك”.

تكررت تجربتها مع اكتئاب ما بعد الولادة، الذي لم تكن تعرف ماذا تسميه وقتها خلال ولادتها الثانية. ومع مرور الوقت كانت عاطفة الأمومة تغلب ما يفعله بها تغير الهرمونات.

ورغم مرور أكثر من ربع قرن، لا تزال تشعر بالكآبة كلما عادت بذاكرتها إلى هذه الأيام، التي كان إحساسها فيها بالذنب يزيد من اكتئابها. ولم تكن تملك شجاعة البوح بهذه المشاعر لمن حولها “ربما لو تحدثت وقتها عن هذه المشاعر كان التخلص منها سيكون أو كان أسرع”.

ويضع المجتمع تعريفًا موحدًا للأمومة، وقائمة بالمشاعر التي يفترض بالأمهات أن يشعرن بها، يجب ألا تشذ عنها أي امرأة حتى لا يُسحب منها لقب الأمومة، وهو ما يجعل كثيرٌ من النساء يكتمن معاناتهن ويتحملن نصيبهن من الألم في صمت.

مقتبس من رحمة ضياء

--

--

| Sima |
zapheer
Editor for

Catch me ranting about hummus and mental health